د. وليد احمد فتيحي
عاد إلى بيته ليلة الأربعاء الثامن من أبريل لعام 2009م وقصد فراشه مبكراً بعد صلاة العشاء وقد أرهقه كثرة ما يرى من صور انتكاسة فطر البشر في معاملاتهم،
وأنهكه ما يواجه من تحديات وفتن، وما تكشفه له الأيام من صور مقيتة وكذب ونفاق،
وهو يصبر نفسه على كل ذلك باستحضار قول الله في قرآنه سبحان وتعالى وهو يخاطبه «وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون».
وما أن شارفت الساعة على الثانية بعد منتصف الليل إلا وعيناه يقظتان، فقد أخذ قسطه من النوم.. وأحس أن الله يدعوه، فقام وتوضأ وصلى ما شاء الله له أن يصلي..
ودعا ما شاء الله له أن يدعو..
فكان كالذي خرج من الدنيا ساعة ثم عاد إليها
ووجد في نفسه حاجة أن يكون جزءاً من فطرة الطبيعة في هذه الساعة قبل أن يستيقظ الناس وقبل أن يلوث الهواء بأنفاس العصاة..
ركب سيارته وقصد البحر ومنه إلى قاربه الصغير وأيقظ صاحبه الذي يلازمه كلما ذهب للصيد،
وما أن دخل وقت صلاة الفجر إلا وكانا في منتصف البحر على بعد ساعة من الشاطئ بمنطقة تسمى (أبو فرامش) فصليا الفجر..
ثم جلسا يتبادلان أطراف الحديث. وبينما هو يتأمل جمال الطبيعة وشروق الشمس ويرى الله في آياته الناطقة وكأنها تتحدث إليه بلحنها السماوي الصافي النقي البديع وضع طعمه في سنارته وألقى به في البحر،
والتفت لرفيقه وقال له «أتعرف أن الله الآن يوزع أرزاق البشر، ولو شاء أن يرزق أحدهم نصف رزق الأرض لما سأله أحد،
وكيف يسأله أحد وهو الذي يملك كل شيء وبيده كل شيء لا يحاسبه أحد فيعطي ويغدق متى شاء على من يشاء كيفما شاء وإذا شاء فإنه يقول للشيء كن فيكون..
وهذا بعض تفسير قوله تعالى (يرزق من يشاء بغير حساب).
وفي تلك اللحظة استشعر معنى للآية لم يستشعره من قبل، وكأنه يقرأ الآية أول مرة في حياته.. نعم..
من الذي يمنع الله سبحانه وتعالى إن أراد الساعة أن يهب نصف رزق الأرض لإنسان واحد بعينه لا أحد سبحانه..
«يرزق من يشاء بغير حساب».. «يرزق من يشاء بغير حساب»
فوقف شعر رأسه لما استشعر وكأنما فتحت له نافذة وحملته الآية الى بعد آخر في إدراك معناها.
وفي هذه اللحظة أحس بشد قوي عنيف في سنارته وأخذ يسحب بكل قوته وزميله يعاونه..
قرابة خمس دقائق أو يزيد مرت قبل أن يستطيعا أن يخرجا ذلك الصيد العظيم من البحر وألقياه على سطح القارب.. ووقف مذهولا لما يرى سمكة عظيمة..
هي أجود وأثمن أنواع السمك بلا منازع في البحر الأحمر تسمى (طرباني) أو تسمى (نابليون) تزن 45 كلغ..
وقف ينظر إليها وهي تخاطبه وقد أدرك الرسالة واضحة جليه.
إن الله يخاطب عباده كل يوم بل وكل ساعة بمواقف يعيشونها وآيات يرونها.. ولكن حقاً لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وقف على رأس هذه السمكة العظيمة يستمع إلى رسالة خالقه له.. إنك عشت مع قولي «يرزق من يشاء بغير حساب»..
ثوان معدودات فكان هذا عطائي لك.. فكيف يصير حالك معي لو عشت مع هذه الآية واستشعرتها سويعات من كل يوم.
ووقف يتأمل الخيط والبكرة ليجد مكتوباً عليها أن أكبر وزن يتحمله مثل هذا الخيط لا يتعدى 27 كلغ.. فكيف حمل هذا الخيط 45 كلغ.
وكانت الرسالة الثانية من خالقه يقول له.. إن الذي أكتبه لعبدي من رزق وأنا المسبب لا يمنعه ما كتب عليه في سنة الأسباب فأنا المسبب للأسباب..
وأرزق من أشاء بغير حساب.
إن آيات الله لنا عديدة وكثيرة والرب يبعث للواحد منا عشرات الرسائل كل يوم ولكننا في غفلة عن سماعها ورؤيتها وقراءتها وفهمها.
كتبت قصتي التي سردت عليكم يومين بعد حدوثها أي قبل عامين ولكني عدلت عن نشرها آنذاك خشية أن يدخل النفس شيء من حظوظها فتنقلب البركة ذنباً،
ولكني أدركت أن في القصة عبرة لغيري وفي هذا مصلحة ومنفعة متعدية وفي حماية نفسي من حظوظها مصلحة ومنفعة خاصة..
فآثرت المصلحة والمنفعة المتعدية على المصلحة والمنفعة الخاصة وأسأل الله القبول.
منقول